فصل: مسألة رجل كانت له عشرة دنانير فحال عليها الحول ثم اشترى بها بعد ذلك مائتي درهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة المعتكفة تحيض فتخرج إلى منزلها حتى تطهر:

من سماع أبي زيد من ابن القاسم:
قال أبو زيد بن أبي الغمر: أخبرني ابن القاسم، قال في المعتكفة تحيض فتخرج إلى منزلها حتى تطهر؛ قال: تخرج في حيضتها إلى السوق، وفي حوائجها، وتصنع ما أرادت إلا لذة الرجال: القبلة، أو الجسة، لا تجتنب شيئا إلا اللذة.
قال محمد بن رشد: أنكر سحنون هذه، وقال: هي في حرمة الاعتكاف، إلا أنها تمتنع من المسجد، فلا تصنع إلا ما يصنعه المعتكف، وقد مضى هذا في أول سماع ابن القاسم، وما يتعلق به، وبالله التوفيق.

.مسألة استقاء في نافلة وهو صائم:

وقال في رجل استقاء في نافلة- وهو صائم، قال: أحب إلي أن يقضي ذلك؛ لأن الحديث جاء: «من استقاء فعليه القضاء»، وهو عندي في الفريضة والنافلة سواء.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف أصل ابن الماجشون الذي ذكرناه في سماع أصبغ، وقد حكى ابن لبابة عن ابن القاسم من رواية محمد بن خالد- مثل أصل ابن الماجشون، فقف على ذلك.

.مسألة جعل في نفسه إن كشف الله عني صيام شوال فلم يصح إلا في النصف من شوال:

وسئل: عن رجل جعل في نفسه إن كشف الله عني- صيام شوال، فلم يصح إلا في النصف من شوال؟ قال: يصوم النصف الذي صح فيه من شوال، وليس عليه أن يتمه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما مضى قد جاز له فطره، وهو مثل ما في المدونة.

.مسألة تسحر في رمضان في الفجر فظن أن ذلك اليوم لا يجزئ عنه صيامه فأكل متأولا:

وسئل: عن رجل تسحر في رمضان في الفجر، فظن أن ذلك اليوم لا يجزئ عنه صيامه، فأكل متأولا؛ قال: يقضي يوما مكانه، ولا كفارة عليه؛ قال: وكذلك من قدم من سفر قبل الفجر، فظن أن ذلك اليوم لا يجزئ عنه صيامه فأكل فيه؛ فرأيت في معنى قوله كأنه لا يرى على من تأول شيئا- وهو فيه مخطئ إلا القضاء فقط، ولا يرى عليه كفارة.
قال محمد بن رشد: هذا كله بين مثل ما في المدونة، فلا معنى للقول فيه.

.مسألة الذي يرى هلال شوال وحده:

وقال في الذي يرى هلال شوال وحده، هل يجوز له أن يفطر؟ أو يرى هلال رمضان وحده، هل يصوم ذلك اليوم؟ قال: أما إذا رأى هلال رمضان وحده، فإنه يصوم، ولا ينبغي له إلا ذلك، وأما إذا رأى هلال شوال، فإنه لا يجوز له أن يفطر إلا باجتماع من الناس، إلا أن يكون وحده في سفر، وفي غير جماعة من الناس، مثل المسافر يكون في مفازة، فإنه يصوم برؤية الهلال، ويفطر برؤيته؛ إلا أن يغمى عليه هلال شوال، فيعد ثلاثين يوما من يوم رأى هلال رمضان، ثم يفطر.
قال محمد بن رشد: أما إذا رأى هلال رمضان وحده، فلا خلاف في أنه يجب عليه أن يصوم، فإن أفطر عالما بوجوب الصيام عليه غير متأول، فعليه القضاء والكفارة، وكذلك إن رأى هلال ذي الحجة وحده يجب عليه أن يقف وحده دون الناس، ويجزئه ذلك من حجه- قاله بعض المتأخرين، وهو صحيح. وأما إذا رأى هلال شوال وحده دون الناس- وهو في جماعة، فقال: إنه لا يجوز له أن يفطر إلا باجتماع من الناس، والفطر له فيما بينه وبين الله جائز، بل هو الواجب عليه، لنهي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام ذلك اليوم، لكنه حظره عليه لما فيه من تعريض نفسه للتهمة، وعقوبة السلطان، ومثل هذا في المدونة والموطأ وغيرهما من الدواوين، وأبينه قول أصبغ في سماعه من كتاب طلاق السنة، واستحب ابن حبيب أن ينوي الفطر ولا يظهر إفطاره، والصحيح أن هذا هو الواجب عليه أن يفعله- وإن كان ذلك مخالفا للروايات؛ لأن الصوم من أفعال القلوب، فلا يجوز له أن يعتقد الصوم- وهو يعلم أنه عليه حرام.

.مسألة المعتكف أيؤم الناس:

ومن مسائل نوازل سئل عنها مطرف:
وسئل مطرف: عن المعتكف أيؤم الناس؟ قال: لا بأس بذلك، وقد رأيت الحسن بن زيد اعتكف عندنا في المسجد، وكان يؤمنا، وهو إذ ذاك أمير المدينة، فلم أر أحدا أنكر ذلك عليه، وما أرى به بأسا، وقد اعتكف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يسمع أنه أمر أحدا يؤمهم، ومحمل أمره عندنا على أنه هو الذي كان يؤمهم- وهو على اعتكافه- كما هو.
قال محمد بن رشد: قوله صحيح؛ لأن الإمامة للمعتكف بالناس في مسجد معتكفه، ليس فيها شغل عن اعتكافه، واستدلاله على أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي كان يؤم الناس في اعتكافه- على حاله- التي كان عليها، فإنه لو استخلف على الصلاة غيره، لنقل ذلك وعلم، استدلال واضح؛ لأن هذا مما يعلم توفر الدواعي على نقله، فلو كان، لنقل.

.مسألة المعتكف يقبل امرأته:

وسئل مطرف: عن المعتكف يقبل امرأته، والمتظاهر، ما الذي ترى فيهما؟ قال: أرى أن قد أفسدا ما هما فيه، فأما المتظاهر فأرى أن يبتدئ صيامه، وأما المعتكف فأرى أن يبتدئ اعتكافه، قلت له: في القبلة فقط، فقال: نعم في القبلة، وكذلك لو جساهما بأيديهما، كان ذلك مما يفسد عليهما ما هما فيه، قلت له: فالحاج أو الصائم إذا قبلا؟ فقال: أما الصائم فلا شيء عليه، إلا أن يمذي، وأما الحاج فحجه تام مجزئ عنه، إلا أن عليه الهدي لمكان ما قبل.
قال محمد بن رشد: أما المعتكف فلا اختلاف أحفظه في المذهب في أن القبلة والمباشرة تبطل اعتكافه. وأما المتظاهر فلأصبغ في نوازله من كتاب الظهار: أنه إن قبل في شهري صيامه استغفر الله تعالى، وتمادى على صيامه. وهذا أحد قولي سحنون، قال: لأن المعتكف ممنوع من كل امرأة، والمتظاهر ليس بممنوع إلا من امرأته التي ظاهر منها، ومن أهل العلم في غير المذهب من يبيح للمتظاهر من امرأته التي ظاهر منها، ما دون الجماع قبل الكفارة، كما أن منهم أيضا من لا يبطل الاعتكاف بما دونه. ويحمل قَوْله تَعَالَى في الآيتين جميعا: آية الظهار، وآية الاعتكاف- على الجماع، لا على ما دونه. وأما الصائم فلا يبطل صيامه ما دون الجماع، إلا أن ينعظ أو يمذي على اختلاف، أو ينزل باتفاق، وقد مضى تحصيل ذلك في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وأما الحاج فلا يبطل حجه بما دون الجماع، إلا أن ينزل، غير أن عليه في ذلك كله الهدي- وبالله التوفيق.
تم كتاب الصيام والاعتكاف بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه.

.كتاب زكاة الذهب والورق:

.مسألة رجل كانت له عشرة دنانير فحال عليها الحول ثم اشترى بها بعد ذلك مائتي درهم:

من سماع أبي القاسم من مالك من كتاب أوله نذر سنة يصومها:
وسئل مالك: عن رجل كانت له عشرة دنانير فحال عليها الحول ثم اشترى بها بعد ذلك مائتي درهم، أترى أن يزكيها؟ قال: نعم، أرى أن يزكيها.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة، وعلى المشهور في المذهب أن الأرباع مزكاة على أصول الأموال، فهذه المائتا درهم على هذا، كأنها لم تزل في يديه من يوم ملك الأصل الذي اشتراها به وهو العشرة دنانير، وقد قيل: إن الأرباح فوائد، وقيل: إنه إن اشترى بأكثر مما بيده لم يزك من الربح على الأصل إلا ما ينوبه، وقيل: إنما يزكى منه على الأصل ما ينوبه إذا كان قد نقد، فإن لم ينقد كان الربح فائدة، فيتحصل في ذلك أربعة أقوال:
أحدها: أن الربح مزكى على الأصل- وإن اشترى بأكثر مما بيده. وإن لم ينقد، وهو نص قول مالك في رسم استأذن من سماع عيسى.
والقول الثاني: أن الربح فائدة- وإن اشترى بما في يده ونقده، وهذا القول يقوم مما رواه أشهب، وابن عبد الحكم- عن مالك في رجل له عشرون دينارا حال عليها الحول، ولم يزكها فاشترى بها سلعة، ثم باعها بعد الحول بأشهر بثلاثين دينارا؛ أنه يزكي العشرين ويكون حولها في يوم كان حال عليها الحول، ولا زكاة عليه في الربح حتى يحول عليه الحول من يوم ربحه، فجعل الربح فائدة- وإن كان قد نقد العشرين التي كان الربح فيها؛ فعلى هذا القول لا يلزم الرجل الذي كانت له عشرة دنانير، فحال عليها الحول، ثم اشترى بها بعد ذلك مائتي درهم- أن يزكي المائتي درهم حتى يحول عليها- حول آخر من يوم ربحها، وصارت بيده.
والقول الثالث: أنه إن اشترى بأكثر مما بيده، لم يزك من الربح إلا ما ينوب ما بيده منه، وهو قول مالك في رواية زياد عنه، مثال ذلك: أن يكون له عشرة دنانير فيحول عليها الحول، فيشتري بعد حلوله سلعة بعشرين دينارا فينقد العشرة أو لا ينقدها، ثم يبيعها بثلاثمائة درهم، أنه يزكي مائتي درهم- مائة للأصل، ومائة من الربح؛ وهو ما ناب الأصل الذي كان عنده منه؛ ويستقبل بالمائة الثانية من الربح- وهو ما ناب العشرة التي زادها في الثمن على ما كان بيده حولا من يوم صارت بيده.
والقول الرابع: أنه لا يزكي من الربح ما ناب الزائد على الأصل، ولا ما ناب الأصل منه أيضا، إلا أن ينقده، فإن لم ينقد لم يزكه حتى يستقبل حولا، وهو قول مالك في رسم الزكاة من سماع أشهب. قال: ويكون حوله من يوم ربحه وصار له، واختار محمد هاهنا أن يكون حول الربح من يوم اشترى وأدان؛ وحكي أن مالكا رجع إلى هذا: أن يحسب حول الربح من يوم أدان الأصل؛ ووجه القول بأن الأرباح فوائد يستقبل بها الحول، قوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول»، فعم ولم يخص ربحا من غيره، ووجه القول بأنها مزكاة على الأصول قياسا على غذاء الغنم؛ لأنهما نماءان من المال، مما يشق حفظ أحوالهما لمجيئهما شيئا بعد شيء، فوجب أن يستوي حكمهما في تزكيتهما على الأصل، وأما التفرقة بين أن ينقد أو لا ينقد، وبين أن يشتري بما بيده أو بأكثر منه؛ فإنما هو استحسان، إذ لا يخرج شيء من ذلك عن القولين المتقدمين- والله أعلم.

.مسألة وجبت عليه في رجب زكاة عشرين فلم يزكها وعمل بها:

ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان:
وقال: في الرجل يكون عنده عشرون دينارا ويحول عليها الحول وهي عشرون فلا يزكيها ويشتري بها متاعا، فيبيعه بعد شهر أو نحوه بثلاثين دينارا، كم يزكي: العشرين، أم الثلاثين؟ قال: بل أرى أن يزكي العشرين ولا شيء عليه في الربح، وذلك أن العشرين لو تلفت لزمه زكاة عشرين؛ قال ابن القاسم: ويستقبل بالعشرة، والعشرين، حولا من يوم وجبت الزكاة في العشرين، وتفسير ذلك: أن لو وجبت عليه في رجب زكاة عشرين، فلم يزكها وعمل بها، ثم أدى عنها في المحرم- وهي ثلاثون، زكاها كلها في رجب.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على الأصول، لقوله فيها: إنه يستقبل بالعشرة والعشرين حولا من يوم وجبت الزكاة في العشرين، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في المسألة التي قبلها، وإنما قال: إنه يزكي العشرين حين البيع؛ لأن زكاتها قد تقررت في ذمته، ووجبت عليه دينا بحلول الحول، وهو في عمله في المال بعد الحول على حول مستأنف، وقول ابن القاسم: ويستقبل بالعشرة والعشرين حولا من يوم وجبت الزكاة في العشرين وهم، وإنما يستقبل الحول بما بقي من الثلاثين بعد إخراج زكاة العشرين منها، وسواء على مذهبه كان له عرض يفي بما أخرج من زكاة العشرين، أو لم يكن، خلافا لقول أشهب في المدونة، وقد روى ابن وهب عن مالك أنه يزكي الثلاثين كلها حين باع المتاع، قيل له: فإن باع بأقل من عشرين، فسكت- وهو وهم؛ لأنه يأتي على أن حوله قد انتقل إلى حين باع المتاع بالثلاثين، ويلزمه على هذا إن باع بأقل من عشرين، أن تسقط عنه الزكاة؛ ألا ترى أنه سكت لما لزمه ما لزمه من الحجة، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

.مسألة تقسيم سهم المؤلفة:

ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا:
وسئل مالك: عن سهم المؤلفة، أترى أن يقسم على سهمان الصدقة؟
قال محمد بن رشد: يريد بالاجتهاد لا بالسواء، وإن رأى أن يجعله في صنف واحد، كان ذلك له، إذ الزكاة على مذهبه إنما توضع في الأصناف المذكورين في الآية- بالاجتهاد، ويتبع في ذلك الحاجة في كل عام، ولا يقسم بينهم أثمان على السواء؛ هذا مذهبه الذي لم يختلف فيه قوله، ولا خالفه فيه أحد من أصحابه، وقيل: يجعل نصف ذلك السهم لعمار المساجد، ونصفه على سائر الأصناف السبعة.
والمؤلفة قلوبهم قوم من صناديد مضر، كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطيهم من الزكاة يتألفهم على الإسلام- ليسلم بإسلامهم من وراءهم، منهم: أبو سفيان بن حرب، واختلف في الوقت الذي بدئ فيه بائتلافهم، فقيل: قبل أن يسلموا لكي يسلموا، وقيل: بعدما أسلموا كي يحبب إليهم الإيمان، فكانوا على ذلك إلى صدر من خلافة أبي بكر، وقيل: إلى صدر من خلافة عمر، ثم قال لأبي سفيان: قد أعز الله الإسلام، وأغنى عنك وعن ضربائك، إنما أنت رجل من المسلمين. وقطع ذلك عنهم؛ واختلف هل يعود ذلك السهم إن احتيج إليه، أم لا يعود؛ فرأى مالك أنه لا يعود، وهو مذهب أهل الكوفة، وقد قيل: إنه يعود إن احتيج إليه، ورأى ذلك الإمام، وهو قول ابن شهاب، وعمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب الشافعي.

.مسألة السنة الثابتة عن النبي عليه السلام في الصدقة:

ومن كتاب الرطب باليابس:
قال ابن القاسم: سمعت مالكا يذكر أن عاملا لعمر بن عبد العزيز كتب إليه: إن الناس قد أسرعوا في أداء الزكاة ورغبوا في ذلك لموضع عدلك. وأنه قد اجتمعت عندي زكاة كثيرة، فكأن عمر كره ذلك من كتابه لمدحه، فكتب إليه: ما وجدوني وإياك على ما رجوا وظنوا، فاقسمها. قال ابن القاسم: وقال عمر: وأي رأي لي فيها حين كتب.
قال محمد بن رشد: في هذا فضل عمر بن عبد العزيز، وقوله: وأي رأي لي فيها- يريد: أنه لا رأي لأحد في ذلك مع السنة الثابتة عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في الصدقة: أن تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء.

.مسألة يشتري الحلي فيريد أن يحبسه حتى يصدقه امرأته فيحول عليه الحول وهو عنده:

ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء:
وسئل مالك: عن رجل يشتري الحلي فيريد أن يحبسه حتى يصدقه امرأته، فيحول عليه الحول، وهو عنده؟- أترى أن يزكيه؟ فقال: نعم.
قال محمد بن رشد: لأشهب في كتاب ابن المواز والواضحة، ولأصبغ في الواضحة، أنه لا زكاة عليه، وقول مالك أظهر؛ لأن الحلي من الذهب والفضة تجب في عينه الزكاة بظاهر ما في القرآن، والسنن، والآثار، فلا تسقط منه الزكاة إلا بحبسه للانتفاع بلبسه في الحال، قياسا على الثياب التي تلبس، والعروض التي تقتنى؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة». وإسقاط أشهب وأصبغ عنه الزكاة بما نواه فيه ضعيف، إذ قد يبدو له، وقد قال مالك في الذي يقدم مكة ليسكنها إنه ليس كأهل مكة؛ لأنه إنما قدم ليسكنها ولعله أن يبدو له.

.مسألة له أربعون درهما أو رأس، أو رأسان أيعطى من الصدقة:

وسئل: عن رجل له أربعون درهما، أو رأس، أو رأسان، أيعطى من الصدقة؟ فقال مالك: إذا كان كثير العيال، فأراه أهلا أن يعطاها في حاله وكثرة عياله.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وإنما وقع السؤال عن الأربعين درهما لما في حديث الأسدي من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من سأل منكم وله أوقية أو عدلها، فقد سأل إلحافا». وقد روي عن سهل بن الحنظلية أنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «من سأل الناس عن ظهر غنى، فإنما يستكثر من جمر جهنم» فقلت: يا رسول الله، وما ظهر غنى؟ قال: «أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم أو ما يعشيهم». وروي عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله، عليه السلام: «لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه، إلا جاءت شيئا أو كدوحا أو خدوشا في وجهه يوم القيامة». قيل: يا رسول الله وما غناه؟ قال: «خمسون درهما، أو حسابها من الذهب». وروي عن رجل من قرينة أنه أتى النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ يسأله، فسمعه يقول: «من سأل الناس وله خمس أواقي سأل إلحافا».
فأولى هذه المقادير التي رويت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الصدقة تحرم بوجودها- بالاستعمال، ما في حديث المزني بدليل أمر رسول الله عَلَيْهِ السَّلَامُ معاذ بن جبل إذ بعثه على الصدقة- أن يأخذها من أغنيائهم فيضعها في فقرائهم، فالفقير من توضع فيه، والغني من تؤخذ منه، وهو من ملك المقدار الذي في حديث المزني، ويحتمل أن يكون- كأن الله عز وجل أولا قد حرم على لسان رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصدقة على من عنده قوت يومه، ثم نسخ ذلك تخفيفا عن عباده، فحرمها على من عنده أوقية من فضة، ثم نسخ ذلك تخفيفا عنهم، فحرمها على من يملك خمسين درهما، ثم نسخ ذلك تخفيفا عنهم، فحرمها على من يملك خمس أواقي، فكان حمل هذه الأحاديث على هذا، أولى من حملها على التعارض؛ فمن ملك من الذهب أو الفضة ما تجب فيه الزكاة؛ أو عدل ذلك سوى ما يحتاج إلى سكناه أو استخدامه، لم تحل له الزكاة- وإن كثر عياله، ومن تملك أقل من ذلك، لم تحرم عليه الصدقة- وإن لم يكن له عيال، إلا أن غيره ممن هو أحوج منه أحق وأولى؛ وقد قال المغيرة: إنه لا يعطى الفقير من الصدقة ما تجب فيه الصدقة، ولا يعطى من له الخادم والمسكن من الزكاة- إذا كان في ذلك فضل يبلغ ما تجب فيه الزكاة، وقوله ظاهر بين المعنى على ما ذكرناه.

.مسألة أخرج زكاة ماله فسرق منه المال وبقيت الزكاة:

ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية:
قال: وسئل مالك: عن رجل أخرج زكاة ماله فسرق منه المال، وبقيت الزكاة، قال: أرى أن يخرجها ولا يحبسها.
قال محمد بن رشد: يريد: وإن سرق منه المال بالقرب في الموضع الذي لو تلف قبل أن يخرج منه الزكاة، لم يلزمه ضمان الزكاة، والوجه في ذلك: أنه رأى إخراج الزكاة عند محلها قسمة صحيحة بينه وبين المساكين؛ فوجب أن يكون ضمان المال منه دونهم، كما يكون ضمان الزكاة المخرجة منهم دونه، إلا أن يمسكها بعد إخراجها فيلزمه ضمانها بالتعدي منه في حبسها، وأما لو سرق منه المال على بعد من إخراجه الزكاة، لم يشكل أن عليه إخراج الزكاة.

.مسألة ابتاع سيفا فيه حلية تجب في مثلها الزكاة فيحول عليها عنده الحول:

من سماع أشهب وابن نافع من مالك من الكتاب الذي فيه الحج والوصايا والزكاة رواية سحنون بن سعيد عنهما:
وسألته: عمن ابتاع سيفا فيه حلية تجب في مثلها الزكاة، فيحول عليها عنده الحول؛ قال: ليس فيه زكاة- وإن أقام عنده سنة. قلت له: إنه يشتريه للتجارة، قال: ليس عليه فيه زكاة؛ قلت له: ربما كان في السيف الفضة الكثيرة، فيكون النصل فيها تبعا لما فيه من الحلية حتى يشترى بالدنانير- وهو جل ذلك، ومن أجله اشتري؛ فقال: لا أرى فيه زكاة حتى يباع، ثم فيه زكاة واحدة، وهو- عندي- مثل الرأس يشتريه الرجل لتجارة.
قال محمد بن رشد: معناه أنه غير مدير، ولو كان مديرا لقومه في كل عام وزكاه على مذهبه؛ وهذا على أصله في رواية أشهب عنه أن الحلي المربوطة بالحجارة كالعرض سواء، يقومه المدير، ويزكيه غير المدير- إذا باعه كان الذهب تبعا للحجارة أو غير تبع، وأما على رواية ابن القاسم عنه فيزكي ما فيه من الفضة تحريا في كل عام، ويقوم النصل وإن كان غير مدير، زكي في كل عام ما فيه من الفضة تحريا، ولا زكاة عليه في النصل حتى يبيع؛ فإذا باع فض الثمن على قيمة النصل، وقيمة الحلى- مصوغا، فزكي ما ناب النصل من ذلك؛ وقد تئول على مذهبه أنه لا يفض الثمن ويزكي ما زاد على ما زكي- تحريا، وسواء كان الحلي تبعا للنصل، أو غير تبع، وقد روى ابن القاسم عنه إن كان الحلي تبعا للنصل- كرواية أشهب.

.مسألة زكاة الذهب إذا كان مقطوعا:

وسئل: عن رجل يكون له خمسة عشر دينارا، ونقرة فيها خمسة دنانير، فيشح على أن يعطي نصف دينار، ويأبى إلا أن يعطي ربع العشر من الخمسة عشر، وربع العشر من النقرة التي فيها خمسة دنانير، قال: ذلك له.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إذ لا يلزم أن يخرج عن النقرة مسكوكا؛ لأن ذلك أكثر مما عليه، فإن شاء قطع من النقرة ربع عشرها، وإن شاء أخرج من غيرها مثلها، مثل وزن ربع عشرها، وأما الذهب فإن كان مقطوعا مجموعا، أخرج منه، وإن كانت مثاقيل قائمة، لم يكن له أن يقطع منها ما وجب عليه من زكاتها، وأخرج صرف ذلك دراهم، وهذا كله بين.

.مسألة تجارة الحلي ونقار الذهب والفضة:

فقلت له: أرأيت الذي تجارته الحلي ونقار الذهب، والفضة، قال: يؤدي زكاة ذلك كل عام ربع عشره، فيخرج ذلك منه- إن شاء، أو من غيره؛ وذلك لأن فيما مضى لم تكن دنانير، إنما كانت الذهب والفضة، وكانت فيها الزكاة، ثم ضربت بعد ذلك، فكان مثل ذلك، سواء كان ذلك مصروفا أو لم يكن ففيه الزكاة كل عام مثل العين.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن له أن يخرج الزكاة ذلك منه- إن شاء أو من غيره، إذ لا كراهية في قطع النقرة والحلي، بخلاف الدنانير القائمة، وبالله التوفيق.

.مسألة يزكي الذهب في كل عام تحريا وتقوم الحجارة إن كان مديرا:

قيل له: أرأيت إن كان ذلك مربوطا بالحجارة؟ قال: ليس فيه زكاة حتى يبيعه ثم يزكيه مثل البز، إذا باعه زكاه.
قلت له: أرأيت إذا كان الذهب جل حلي ذلك، أو أكثره؛ فقال: لا أبالي لا يزكي ذلك حتى يبيعه، وقاله أشهب.
قال محمد بن رشد: معناه أنه غير مدير، ولو كان مديرا لقومه في كل عام- على ما هو عليه- كالعرض في هذه الرواية- رواية أشهب، خلاف رواية ابن القاسم عنه: أنه يزكي الذهب في كل عام- تحريا، وتقوم الحجارة إن كان مديرا، وإن لم يكن مديرا لم يكن عليه في الحجارة شيء حتى يبيع وإن بعد أعوام، فيزكي ما زاد الثمن على ما زكي- تحريا، أو نقص على ما تقدم، وسواء كان الحلي تبعا للحجارة، أو غير تبع، لم يختلف قول مالك في رواية ابن القاسم عنه، كما اختلف في السيف والمصحف إذا كانت الحلية تبعا للنصل، أو للمصحف- على ما مضى فوق هذا.

.مسألة يؤدي زكاة ماله قبل حلولها قبل أن يحول على ماله الحول:

وسئل: عن رجل يؤدي زكاة ماله قبل حلولها قبل أن يحول على ماله الحول، أترى عليه إعادة الزكاة؟ قال: نعم، أرى ذلك عليه، أرأيت الذي يصلي الظهر قبل زوال الشمس، أو الصبح قبل إطلاع الفجر، أليس يعيد؟ فهذا مثله.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية، أنها لا تجزيه إذا أخرجها قبل محلها- وإن كان ذلك قريبا؛ وعلى هذا حمل ابن نافع قول مالك، فقال: معناه أنها لا تجزئه إلا بعد محلها، فإن أداها قبل محلها لم تجزه، قال ابن نافع: وهو رأيي: أنها لا تجزئه قبل محلها بيوم واحد، ولا ساعة، وهو ضامن لها حتى يخرجها بعد محلها، وقد قيل: إنها تجزيه إن كان قريبا.
واختلف في حد القرب على أربعة أقوال: أحدها: أنه اليوم واليومان ونحو ذلك، وهو قول ابن المواز. والثاني: أنه العشر الأيام ونحوها، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. والثالث: أنه الشهر ونحوه، وهو رواية عيسى عن ابن القاسم. والرابع: أنه الشهران ونحوهما، وقع ذلك في المبسوطة، والأظهر أنها تجزيه إذا أخرجها قبل المحل بيسير؛ لأن الحول توسعة، فليس كالصلاة التي وقتها محدود لا يجوز أن تعجل قبله، ولا تؤخر بعده، ولو كانت الزكاة كالصلاة في هذا، لوجب أن يعرف الساعة التي أفاد فيها المال ليخرج الزكاة عندها، وفي هذا تضييق، وقد ساق سحنون رواية أشهب هذه في المدونة على هذا، فقال: إن الذي أداها قبل أن يتقارب، إنما ذلك بمنزلة الذي يصلي الظهر قبل الزوال.
ومن الكتاب الذي فيه قراض ومساقاة وكراء الأرض، وشفعة، وعقول، وزكاة، وذكر المفقود قال مالك: وزعموا أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن رجلا منع زكاة ماله، فكتب إليه عمر أن دعوه فتركوه فندم الرجل، فأداها فقبلها منه عمر.
قال محمد بن رشد: معنى هذا، أنه منع زكاته لسوء رأيه في عمر، لا شحا بها؛ فلما لم يتهمه عمر في إمساكها عن أهلها، كتب أن يترك فترك؛ فندم الرجل في اعتقاده في عمر، ورأى أن دفعها إليه واجب لعدالته، فأداها فقبلها منه عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ولو اتهمه في إمساكها بخلا بها، لما تركها عنده، ولأمر أن تؤخذ منه شاء أو أبى، وقد قيل: إنه كتب أن لا تؤخذ منه زكاة مع المسلمين- توبيخا له حتى يستبرأ أمره، فإن سمح بها وأداها، وإلا أخذت منه كرها؛ وإلى هذا التأويل ذهب ابن حبيب، والأول أظهر وأشبهه بعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.